فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومثله قوله تعالى: {رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب والعنهم لَعْنًا كبيرا} [الأحزاب: 68] وقيل: الضعف هنا الأفاعي والحيات، وجملة {قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ} استئنافية جوابًا لسؤال مقدّر، والمعنى لكل طائفة منكم ضعف من العذاب، أي الطائفة الأولى والطائفة الأخرى {ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ} بما لكل نوع من العذاب {وَقَالَتْ أولاهم لأخْرَاهُمْ} أي قال السابقون للاحقين، أو المَّتَبعُونَ للتابعين {فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} بل نحن سواء في الكفر بالله واستحقاق عذابه.
{فَذُوقُواْ} عذاب النار، كما ذقناه {بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} من معاصي الله والكفر به.
وقد أخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والخطيب، وابن النجار، عن أبي الدرداء قال: تذاكرنا زيادة العمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا من وصل رحمه أنسئ في أجله فقال: «إنه ليس بزائد في عمره، قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} ولكن الرجل يكون له الذرية الصالحة، فيدعون الله من بعده، فيبلغه ذلك، فذلك الذي ينسأ في أجله».
وفي لفظ: «فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة العمر» وهذا الحديث ينبغي أن يكشف عن إسناده، ففيه نكارة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما بخلافه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن أبي عروبة، قال: كان الحسن يقول: ما أحمق هؤلاء القوم يقولون اللهم أطل عمره، والله يقول: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، من طريق الزهري، عن ابن المسيب قال: لما طعن عمر قال كعب: لو دعا الله لأخر في أجله، فقيل له: أليس قد قال الله: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} فقال كعب: وقد قال الله: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كتاب} [فاطر: 11].
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب} قال: ما قدر لهم من خير وشرّ.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه، في الآية قال: من الأعمال، من عمل خيرًا جزى به، ومن عمل شرًّا جزى به.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عنه، أيضًا قال: نصيبهم من الشقاوة والسعادة.
وأخرج عبد ابن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن مجاهد، في الآية قال: ما سبق من الكتاب.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في الآية قال: رزقه وأجله وعمله.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن أبي صالح، في الآية قال: من العذاب.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ، في قوله: {قَدْ خَلَتْ} قال: قد مضت {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} قال: كلما دخلت أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك، يلعن المشركون المشركين، واليهود اليهود، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوس المجوس، تلعن الآخرة الأولى {حَتَّى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ} الذين كانوا في آخر الزمان {لأولاهم} الذين شرعوا لهم ذلك الدين {رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مّنَ النار قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ} الأولى والآخرة {وَقَالَتْ أولاهم لأخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} وقد ضللتم كما ضللنا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {عَذَابًا ضِعْفًا} قال: مضاعفًا {قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ} قال: مضاعف، وفي قوله: {فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} قال: تخفيف من العذاب. اهـ.

.التفسير المأثور:

{قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {قد خلت} قال: قد مضت {كلما دخلت أمة لعنت أختها} قال: كلما دخلت أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الدين، يلعن المشركون المشركين، واليهود اليهود، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوس المجوس، تلعن الآخرة الأولى {حتى إذا ادَّاركوا فيها جميعًا قالت أخراهم} الذين كانوا في آخر الزمان {لأولاهم} الذين شرعوا لهم ذلك الدين {ربنا هؤلاء أضلونا... قال لكل ضعف} للأولى والآخرة {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل} وقد ضللتم كما ضللنا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {عذابًا ضعفًا} قال: مضاعفًا {قال لكل ضعف} قال: مضاعف وفي قوله: {فما كان لكم علينا من فضل} قال: تخفيف من العذاب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مجلز في قوله: {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل} يقول: بيَّن لكم ما صنع بنا من العذاب حين عصينا، وحذرتم فما فضلكم علينا.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: قال الحسن: الجن لا يموتون. فقلت له: ألم يقل الله: {في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإِنس} وإنما يكون ما خلا ما قد ذهب. والله تعالى أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فما}: هذه الفاء عاطفة هذه الجملة المنفيّة على قول الله تعالى للسَّفلة: {لِكُلِّ ضِعْفٌ} أي: فقد ثَبَتَ أنَّ لا فضل لكم علينا، وأنا متشاوون في استحقاق الضِّعف فذوقوا.
قال أبُو حَيَّان- بعد أنْ حكى بعض كلام الزَّمخشري-: والذي يظهر أنَّ المعنى انتفاء كون فضل عليهم من السَّفلة في الدُّنيا بسبب اتباعهم إيَّاهم، وموافقتهم لهم في الكُفْرِ أي: اتِّباعُكم إيّانا، وعدم اتِّباعكم سواء؛ لأنَّكُم كنتم في الدُّنيا عندنا أقلَّ من أن يكون لكم عيلنا فضِل بأتِّباعكم، بل كفرتم اختيارًا، لا أنَّا حملْنَاكم على الكُفْرِ إجبارًا، وأنَّ قوله: {فَمَا كَانَ} جملة معطوفة على جُمْلَةٍ محذُوفَةٍ بعد القَوْلِ دَلَّ عليها ما سبق من الكلام، والتَّقديرُ، قالت أولاهم لأخراهم: ما دعاؤكم اللَّه أنَّا أضلنناكم وسؤالكم ما سألتم، فما كان لكم علينا من فضلٍ بضلالكم، وأنَّ قوله: {فَذُوقُوا} من كلام الأولى خِطَابًا للأخرى على سبيل التشفِّي، وأن ذَوْقَ العذاب هو بسبب ما كَسَبْتُمْ لا بأنَّا أضْلَلْنَاكُمْ.
وقيل: فذوقوا من خطاب الله لهم.
و{بِمَا} الباء سببية، ومَا مصدرية، أو بمعنى الَّذي، والعائد محذوف أي: تكسبونه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (40):

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما جرت العادة بأن أهل الشدائد يتوقعون الخلاص، أخبر أن هؤلاء ليسوا كذلك، لأنهم أنجاس فليسوا أهلًا لمواطن الأقداس، فقال مستأنفًا لجواب من كأنه قال: أما لهؤلاء خلاص؟ وأظهر موضع الإضمار تعميمًا وتعليقًا للحكم بالوصف: {إن الذين كذبوا بآياتنا} أي وهي المعروفة بالعظمة بالنسبة إلينا {واستكبروا عنها} أي وأوجدوا الكبر متجاوزين عن اتباعها {لا تفتح لهم} أي لصعود أعمالهم ولا دعائهم ولا أرواحهم ولا لنزول البركات عليهم {أبواب السماء} لأنها طاهرة عن الأرجاس الحسية والمعنوية فإذا صعدت أرواحهم الخبيثة بعد الموت مع ملائكة العذاب أغلقت الأبواب دونها ثم ألقيت من هناك إلى سجين {ولا يدخلون الجنة} أي التي هي أطهر المنازل وأشرفها {حتى} يكون ما لا يكون بأن {يلج} أي يدخل ويجوز {الجمل} على كبره {في سم} أي في خرق {الخياط} أي الإبرة أي حتى يكون ما لا يكون، إذًا فهو تعليق على محال، فإن الجمل مثل في عظم الجرم عند العرب، وسم الإبرة مثل في ضيق المسلك، يقال: أضيق من خرق الإبرة، ومنه الماهر الخريت للدليل الذي يهتدي في المضايق المشبهة بأخراق الإبر؛ وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن الجمل فقال: زوج الناقة- استجهالًا للسائل وإشارة إلى طلب معنى آخر غير هذا الظاهر تكلف.
ولما كان هذا للمكذبين المستكبرين أخبر أنه لمطلق القاطعين أيضًا فقال: {وكذلك} أي ومثل ذلك الجزاء بهذا العذاب وهو أن دخولهم الجنة محال عادة {نجزي المجرمين} أي القاطعين لما أمر الله به أن يوصل وإن كانوا أذنابًا مقلدين للمستكبرين المكذبين. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن المقصود منه إتمام الكلام في وعيد الكفار، وذلك لأنه تعالى قال في الآية المتقدمة {والذين كَذَّبُواْ بآياتنا واستكبروا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} [الأعراف: 36] ثم شرح تعالى في هذه الآية كيفية ذلك الخلود في حق أولئك المكذبين المستكبرين بقوله: {كَذَّبُواْ بئاياتنا} أي بالدلائل الدالة على المسائل التي هي أصول الدين، فالدهرية ينكرون دلائل إثبات الذات والصفات، والمشركون ينكرون دلائل التوحيد، ومنكرو النبوات يكذبون الدلائل الدالة على صحة النبوات ومنكرو نبوة محمد ينكرون الدلائل الدالة على نبوته، ومنكرو المعاد ينكرون الدلائل الدالة على صحة المعاد، فقوله: {كَذَّبُواْ بئاياتنا} يتناول الكل، ومعنى الاستكبار طلب الترفع بالباطل وهذا اللفظ في حق البشر يدل على الذم قال تعالى في صفة فرعون: {واستكبر هُوَ وَجُنُودُهُ في الأرض بِغَيْرِ الحق} [القصص: 39]. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أبواب السماء} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ أبو عمرو {لاَ تُفَتَّحُ} بالتاء خفيفة، وقرأ حمزة والكسائي بالياء خفيفة والباقون بالتاء مشددة.
أما القراءة بالتشديد فوجهها قوله تعالى: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْء} [الأنعام: 44] {فَفَتَحْنَا أبواب السماء} [القمر: 11] وأما قراءة حمزة والكسائي فوجهها أن الفعل متقدم.
المسألة الثانية:
في قوله: {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أبواب السماء} أقوال.
قال ابن عباس: يريد لا تفتح لأعمالهم ولا لدعائهم ولا لشيء مما يريدون به طاعة الله، وهذا التأويل مأخوذ من قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] ومن قوله: {كَلاَّ إِنَّ كتاب الأبرار لَفِى عِلّيّينَ} [المطففين: 18] وقال السدي وغيره: لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء، وتفتح لأرواح المؤمنين، ويدل على صحة هذا التأويل ما روي في حديث طويل: أن روح المؤمن يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها، فيقال مرحبًا بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب، ويقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء السابعة، ويستفتح لروح الكافر فيقال لها ارجعي ذميمة، فإنه لا تفتح لك أبواب السماء.
والقول الثالث: أن الجنة في السماء فالمعنى: لا يؤذن لهم في الصعود إلى السماء ولا تطرق لهم إليها ليدخلوا الجنة.
والقول الرابع: لا تنزل عليهم البركة والخير، وهو مأخوذ من قوله: {فَفَتَحْنَا أبواب السماء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ} [القمر: 11] وأقول هذه الآية تدل على أن الأرواح إنما تكون سعيدة إما بأن ينزل عليها من السماء أنواع الخيرات، وإما بأن يصعد أعمال تلك الأرواح إلى السموات وذلك يدل على أن السموات موضع بهجة الأرواح، وأماكن سعادتها، ومنها تنزل الخيرات والبركات، وإليها تصعد الأرواح حال فوزها بكمال السعادات، ولما كان الأمر كذلك كان قوله: {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أبواب السماء} من أعظم أنواع الوعيد والتهديد.